قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" متفق عليه. ومن عظيم الحث على الطهارة الحسية والمعنوية، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس من عبد يبيت طاهرا، إلا بات معه في شعاره مَلَك، لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرا" صحيح الترغيب. ومن مظاهر عناية الإسلام بالصحة، أن جعلها من النعم العظيمة التي لا يعرف قدرها كثير من الناس. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" البخاري. ولقد فسر بعض السلف قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8] فقالوا: عن الصحة. ومن أعظم ما يحقق التوازن الصحي قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]. قال ابن القيم: "فأرشدَ عِباده إلى إدخالِ ما يُقِيمُ البدنَ من الطعام والشراب عِوَضَ ما تحلَّل منه، وأن يكون بقدر ما ينتفعُ به البدنُ في الكمِّية والكيفية، فمتى جاوز ذلك كان إسرافاً، وكلاهما مانعٌ من الصحة، جالبٌ للمرض، أعنى عدم الأكل والشرب، أو الإسراف فيه، فحفظ الصحة كلُّه في هاتين الكلمتين الإلهيتين".
وكان - صلى الله عليه وسلم - يأكل من فاكهة بلده، ويرى ذلك أحفظ للصحة. قال ابن القيم: "وهو من أسباب حفظ الصحة، فإن الله سبحانه بحكمته جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها، فيكون تناوله من أسباب صحة أهلها". وكان - صلى الله عليه وسلم - يرشد إلى الأدوية الناجعة الفعالة، وإن بدت لبعض الناس ممجوجة مستقذرة. فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ (كرهوا المقام بها لضرر لحقهم)، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا" متفق عليه. ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إجهاد البدن وقهره، ولو في العبادة وقصد القربى. فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ: قال لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:"يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟". فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ (أي: زائرك) عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ".
قال: فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَىَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ". قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -؟ قَالَ: "نِصْفَ الدَّهْرِ". فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -" متفق عليه. فإذا رزقك الله صحة وعافية، فأعظم حمدك لله، وضاعف الشكر له، فأنت على خير كثير. ولقد كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ" مسلم. وكان لا يدع حين يُمسي وحين يُصبح أن يقول: "اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي. اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك أن أغتال من تحتي" صحيح سنن ابن ماجة.